سورة النساء - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَاِلدَانِ والأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ} وسبب نزول هذه الآية، في الجاهلية كانواْ يُوَرِّثُونَ الذكور دون الإناث، فروى ابن جريج عن عكرمة قال: نزلت في لأم كُجَّة وبناتها وثعلبة وأوس بن سويد وهم من الأنصار، وكان أحدهما زوجها والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وبنيه ولم نُورَّث، فقال عم ولدها: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاُّ، ولا ينكأ عدواً يكسب عليها ولا تكسب، فنزلت هذه الآية.
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمُ مِّنْهُ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها ثابتة الحكم. قال سعيد بن جبير: هما وليان، أحدهما يرث وهو الذي أمر أن يرزقهم أي يعطيهم، والآخر لا يرث وهو الذي أُمر أن يقول لهم قولاً معروفاً، وبإثبات حكمها قال ابن عباس، ومجاهد، والشعبي، والحسن، والزهري.
ورُوْي عن عبيدة أنه وَليَ وصية فأمر بشاة فذبحت، وصنع طعاماً لأجل هذه الآية وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي.
والقول الثاني: أنها منسوخة بآية المواريث، وهذا قول قتادة، وسعيد بن المسيب، وأبي مالك، والفقهاء.
والثالث: أن المراد بها وصية الميت التي وصَّى بها أن تفرق فِيْمَنْ ذُكِرَ وفِيمَنْ حَضَرَ، وهو قول عائشة.
فيكون ثبوت حكمها على غير الوجه الأول.
واختلف مَنْ قال: بثبوت حكمها على الوجه الأول في الوارث إذا كان صغيراً هل يجب على وليَّه إخراجها من سهمه على قولين:
أحدهما: يجب، وهو قول ابن عباس، وسعيد، ويقول الولي لهم قولاً معروفاً.
والثاني: أنه حق واجب في أموال الصغار على الأولياء، وهو قول عبيدة، والحسن.
{وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} فيه قولان:
أحدهما: أنه خطاب للورثة وأوليائهم أن يقولوا لمن حضر من أولي القربى، واليتامى، والمساكين قولاً معروفاً عند إعطائهم المال، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني: خطاب للآخرين أن يقولوا للدافعين من الورثة قولاً معروفاً، وهو الدعاء لهم بالرزق والغنى.
{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ اللهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن معناه وليحذر الذين يحضرون مَّيتاً يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله وصية فيمن لا يرثه ولكن ليأمروه أن يبقى ماله لولده، كما لو كان هو الموصي لآثر أن يبقة ماله لولده، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أن معناه وليحذر الذين يحضرون الميت وهو يوصي أن ينهوه عن الوصية لأقربائه، وأن يأمره بإمساك ماله والتحفظ به لولده، وهم لو كانوا من أقرباء الموصى لآثروا أن يوصي لهم، وهو قول مقسم، وسليمان بن المعتمر.
والثالث: أن ذلك أمر من الله تعالى لِوُلاَةِ الأيتام، أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم، كما يحبون أن يكون ولاة أولادهم الصغار من بعدهم في الإحسان إليهم لو ماتوا وترمواْ أولادهم يتامى صغاراً، وهو مروي عن ابن عباس.
والرابع: أن من خشي على ذريته من بعده، وأحب أن يكف الله عنهم الأذى بعد موته، فليتقوا الله وليقولا قولاً سديداً، وهو قول أبي بشر بن الديلمي.
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} عبر عن الأخذ بالأكل لأنه مقصود الأخذ.
{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَاراً} فيه قولان:
أحدهما: يعني انهم يصيرون به إلى النار.
والثاني: أنه تمتلئ بها بطونهم عقاباً يوجب النار.
{وَسَيَصْلَونَ سَعِيراً} الصلاء لزوم النار، والسعير إسعار النار، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: 12].


قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} روى السدي قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان، لا يورثون الرجل من ولده إلاّ من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كُجّة، وترك خمس أخوات، فجاءت الورثة فأخذوا ماله، فشكت أم كجة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} ففرض للثلاث من البنات، إذا انفردت عن ذَكَرٍ، الثلثين، وفَرْضُ الواحدة إذا انفردت النصف، واختلف في الثنتين، فقال ابن عباس النصف، من أجل قوله تعالى: {فَوقَ اثْنَتَيْنِ} وذهب الجماعة إلى أن فرضهما الثلثان كالثلاث فصاعداً اعتباراً بالأخوات.
ثم قال تعالى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} قال ابن عباس: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله تعالى ذلك، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس.
ثم قال: {مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} فسّوى بين كل واحد من الوالدين مع وجود الولد في أن لكل واحد منهما السدس، ثم فاضل بينهما مع عدم الولد مع أن جعل للأم الثلث والباقي للأب، وإنما كان هكذا لأن الأبوين مع الولد يرثان فرضاً بالولادة التي قد استويا فيها، فسوّى بين فرضهما، وإذا عَدِمَ الولد ورثت الأم فرضاً لعدم التعصب فيها، وورث الأب بالتعصيب، لأنه أقوى ميراثاً، وجعل فرضها شطر ما حازه الأب بتعصيبه، ليصير للذكر مثل حظ الأنثيين.
{فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} فلا خلاف أن الثلاثة من الأخوة يحجبونها من الثلث الذي هو أعلى فرضها إلى السدس الذي هو أقله، ويكون الباقي بعد سدسها للأب.
وحُكِيَ عن طاووس أنه يعود على الإِخوة دون الأب ليكون ما حجبوها عنه عائداً عليهم لا على غيرهم. وهذا خطأ من وجهين:
أحدهما: أن الأب يُسقِط من أدلى به كالجد.
والثاني: أن العصبة لا يتقدر لهم في الميراث فرض كالأبناء.
فأما حجب الأم بالأخوين، فقد منع منه ابن عباس تمسكاً بظاهر الجمع في قوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} وخالفه سائر الصحابة مُحَجِّبُوا الأم بالأخوين فصاعداً، وإن لم تحجب بالأخ الواحد لأن لفظ الجمع لا يمنع أن يوضع موضع التثنية نحو قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] مع أن الاثنتين تقومان في الفرائض مقام الجمع الكامل، كالأخوات، وولد الأم.
{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَينٍ} فقدم الدين والوصية على الميراث، لأن الدين حق على الميت، والوصية حق له، وهما مقدمان على حق ورثته، ثم قدم الدين على الوصية وإن كان في التلاوة مؤخراً، لأن ما على الميت من حق أولى أن يكون مقدماً على ما له من حق.
وقد روى ابن إسحاق عن الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال: إنكم تقرؤون هذه الآية {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَينٍ} وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية فإن قيل: فَلِمَ قدم ذكر الوصية على الدين إن كان في الحكم مؤخراً؟ قيل لأن {أَوْ} لا توجب الترتيب وإنما توجب إثبات أحد الشيئين مفرداً أو مصحوباً، فصار كأنه قال: من بعد أحدهما أو من بعدهما. {ءَابآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} يعني في الدين أو الدنيا.


قوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} اختلفوا في الكلالة على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم من عدا الولد، وهو مروي عن ابن عباس، رواه طاووس عنه.
والثاني: أنهم من عدا الوالد، وهو قول الحكم بن عيينة.
والثالث: أنهم من عدا الولد والوالد، وهو قول أبي بكر، وعمر، والمشهور عن ابن عباس.
وقد روى الشعبي قال: قال أبو بكر: قد رأيت في الكلالة رأياً، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن يك خطأ فمنِّي والله منه بريء، إن الكلالة ما خلا الوالد والولد. فلما اسْتُخْلِفَ عمر قال: إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر في رأي رآه.
ثم اختلفواْ في المُسَمَّى كلالة على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الكلالة الميت، وهو قول ابن عباس، والسدّي.
والثاني: أنه الحي الوارث، وهو قول ابن عمر.
والثالث: أنه الميت والحي، وهو قول ابن زيد.
وأصل الكلالة الإِحاطة، ومنه الإكليل سمي بذلك لإِحاطته بالرأس فكذلك الكلالة لإِحاطتها بأصل النسب الذي هو الوالد والولد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8